استضافت العاصمة الروسية، في الخامس من شهر مارس/ أذار الجاري، قمة ثنائية بين كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لمناقشة آخر المستجدات الخاصة بأزمة إدلب؛ وخرجت باتفاقية بدأ ينكشف الضباب عن موادها السرية شيئًا فشيئًا.
حسب ما تم إعلانه رسميًا؛ فإن المواد الثلاث الرئيسية من الاتفاق هي تطبيق وقف إطلاق نار فوري على خط المواجهة الحالي، وإقامة ممر آمن من ستة كيلومترات على جانبي الطريق الدولي M4 بالتعاون بين الطرفين، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة على هذا الطريق.
ولكن بعد انتهاء القمة بدأت الانتقادات تتصاعد حول ما إذا كانت القمة التي استمرت قرابة ثماني ساعات، من بينها لقاء مغلق بين أردوغان بوتين لمدة ساعتين ونصف، قد ناقشت تلك المواد الثلاق فقط.
أوضح أردوغان في وقت لاحق أنه ليس من الضروري كتابة جيمع المواد التي تم الاتفاق عليها، ملمحًا بذلك إلى وجود اتفاق حول مواد سرية غير معلن عنها للرأي العام.
في السياق ذاته، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن طرف الخيط لأول مادة سرية غير مدونة في الاتفاق، خلال تصريحاته التي أدلى بها في يوم الأربعاء الماضي؛ حيث قال إنه سيتم تفريغ جميع المناطق الموجودة في جنوب طريق M4 الدولي، الخاضعة لسيطرة عناصر المعارضة المسلحة السورية. بمعنى أنه سيتم تسليم مناطق إستراتيجية، مثل جبل الأكراد وجبل الزاوية، لقوات الجيش السوري من دون حرب. بينما كانت الأوضاع قد اشتعلت قبل 5 مارس/ أذار على أرض الواقع للمرة الأولى بين القوات السورية والتركية. حتى إن البعض رأى أنه في حالة استمرار الوضع على ما كان عليه، فإن تركيا قد تدخل في مواجهة مباشرة بين تركيا وروسيا. يبدو أن أردوغان الذي سبق أن أقنع المعارضة المسلحة في سوريا بالانسحاب من مناطق استراتيجية، مثل حلب واللاذقية، يطبق اليوم السيناريو نفسه بالنسبة لإدلب أيضًا. وكات العديد من التنظيمات المسلحة عبرت آنذاك عن عدم ثقتها في تركيا، ومن ثم لجأت بعضها إلى ترك السلاح، والبعض الآخر قرر الانضمام إلى صفوف الجماعات المتطرفة.
لا أحد يمكنه تخمين كيف سيكون رأي التنظيمات الأخرى، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، في هذا السيناريو الرامي إلى تحويل إدلب لغزة جديدة. ولكن في حالة تحقق هذا السيناريو فإن التفاصيل الدقيقة لسيناريو أردوغان الخاص بمدينة إدلب سوف تظهر للجميع.
حسب هذا السيناريو سيتم ترك حوالي 60% من إدلب للنظام السوري، وسيتم ضم الجزء المتبقي إلى المناطق الخاضعة بالفعل للسيطرة التركية. من خلال هذا السيناريو سيتم تحويل إدلب إلى غزة ثانية، وستكون تركيا مسؤولة عن تنظيم هيئة تحرير الشام والتنظيمات الأخرى، بالإضافة إلى قرابة أربعة ملايين لاجئ. وبهذا سيكون أردوغان قد نجح في وقف موجة جديدة من اللاجئين.
ولكن هناك العديد من الأسئلة تدور في الكواليس، عن كيفية إحكام تركيا السيطرة على هذا الجزء من إدلب؛ قطاع غزة الثاني، وما هي التنازلات التي قدمها في مقابل ذلك.
السؤال الأول: هل تركيا ستواصل تواجدها العسكري من خلال قرابة 15 ألف عسكري أرسلتهم إلى المنطقة؟
السؤال الثاني: هل ستقوم تركيا بإدارة إدلب والسيطرة عليها بالمشاركة والتعاون مع التنظيمات المسلحة مثل هيئة تحرير الشام؟ ومن سيضمن عدم قيام هيئة تحرير الشام، التي تقوم بدور حماس سوريا، باستهداف الأراضي التركية بدلًا من سوريا؟
السؤال الثالث: من سيضمن عدم مبادرة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة إلى اتخاذ إدلب قاعدة لإطلاق هجماتها على قوات النظام السورية والروسية؟
السؤال الرابع: هل تضع تركيا خططًا للسيطرة على العناصر المسلحة الموجودة في المنطقة، واستخدامها كجنود مرتزقة في المناطق المشتعلة في المنطقة، وعلى رأسها ليبيا؟
السؤال الخامس: هل ستقوم تركيا بجعل إدلب منطقة آمنة، وإعادة اللاجئين المتواجدين لديها إلى تلك المنطقة؟
السؤال السادس: في مقابل تفريغ جنوب إدلب ضمن أحد المواد السرية التي تم الاتفاق عليها في قمة موسكو، هل سيتم السماح لتركيا باحتلال المزيد من المناطق الجديدة في شمال سوريا لمواجهة الأكراد؟
تركيا تريد بشكل خاص السيطرة على عين العرب (كوباني) ومنبج. حتى إن هناك ادعاءات بدأت تظهر حول رغبة أردوغان في السيطرة على منطقة القامشلي، التي سبق أن قال إنها مليئة بالبترول.
السؤال السابع: هل سيستمر أردوغان في السيطرة على اللاجئين في إدلب، لاستخدامهم كورقة ابتزاز في وجه أوروبا؟
السؤال الثامن: هل الخطوة التالية لأردوغان هي الجلوس على طاولة المفاوضات مع بشار الأسد؟ لأن بوتين الذي يريد تحقيق الاستقرار في سوريا، يشترط أولًا إنهاء العداء بين أردوغان والأسد.
السؤال التاسع: هل يسعى أردوغان من خلال الموافقة على وقف إطلاق النار مع تقديم تنازلات، للحيلولة دون تحالف بوتين مع دول، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في سوريا؟
السؤال العاشر: في حالة فشل سيناريو تحويل إدلب إلى قطاع غزة جديد، هل ستصبح تركيا وروسيا في مواجهات مباشرة؟
السؤال الحادي عشر: بعد أن طلب أردوغان من الناتو والإدارة الأمريكية مساعدات لمواجهة روسيا، هل سيقوم بإلغاء تشغيل منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية S-400 في حالة وصول ذلك الدعم؟