
بقلم علي أونال
مع تعرض قاعدة الوطية التي تسيطر عليها قوات حكومة الوفاق الليبية المدعومة من تركيا، فجر الأحد الماضي، للقصف الجوي، من قبل “طيران مجهول”، عادت الأنظار تتجه إلى ليبيا مرة أخرى وما ستسفر عنه آخر المستجدات على الساحة هناك.
القصف الذي شنته طائرات، لم يتم تحديد مصدرها أو هويتها حتى الآن، أسفر عن تدمير منظومة دفاع جوي من طراز “هوك” وثلاث محطات رادار كانت القوات التركية قد وضعتها في قاعدة الوطية يوم الخميس الماضي؛ بينما يتحدث المسؤولون الأتراك عن أن القصف لم يسفر عنه أي إصابات أو وفيات.. هناك ثلاثة عناصر تجعل هذا الهجوم مهما للغاية:
العنصر الأول: هو أن القصف تم من قبل دولة أجنبية. هناك احتمالات كبيرة جدًا أن تكون هذه الدولة هي روسيا، كما يمكن أن تكون الإمارات العربية المتحدة أو فرنسا؛ لأن الدول الثلاث لا يريدون أن تصل تركيا إلى خط سيرت – الجفرة، وأن تسيطر عليه. في الوقت الحالي تضم قاعدة الجفرة 14 طائرة حربية تابعة لروسيا. وقد نشرت قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا صورًا خاصة بهذه الطائرات خلال الشهر الماضي.
فضلًا عن أن روسيا، التي تريد وضع قدم لها في المنطقة، كانت قد أرسلت جنودا مرتزقة منذ فترة طويلة. كذلك يقوم المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، بشراء كميات كبيرة من السلاح، وبخاصة منظومات الدفاع الجوي، من روسيا.
الاحتمال الآخر هو أن تكون فرنسا هي من تقف وراء هذا القصف؛ ففرنسا تمتلك قاعدة عسكرية في دولة تشاد الواقعة جنوب ليبيا، فضلًا عن أنها تمتلك حاملة الطائرات نابليون بونابارت المتمركزة في البحر المتوسط. في 10 يونيو (حزيران) الماضي حاولت فرنسا تفتيش سفينة تركية كانت في طريقها إلى ميناء مصراتة الليبي، إلا أن سفنًا حربية تركية أخرى كانت مرافقة للسفينة الأولى حالت دون ذلك، الأمر الذي أثار غضب فرنسا. كما تحاول فرنسا جاهدة فرض عقوبات على تركيا سواء في الاتحاد الأوروبي أو في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وفي حالة عدم تحقيقها ما تريده قد تلجأ إلى التحرك بمفردها في ليبيا أو بالتعاون مع حلفائها هناك روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة.
العنصر الثاني: أن هذا القصف هو أول رسالة شديدة اللهجة إلى تركيا وحكومة طرابلس منذ أن استولوا على قاعدة الوطية.
بعد الاتفاق الذي وقعته تركيا مع حكومة طرابلس في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، تحولت جبهة حفتر من وضع الهجوم إلى وضع الدفاع. بعد ذلك تطور الأمر ليصبح سلسلة من الانسحابات لقوات حفتر، بدأت في أبريل (نيسان) الماضي، وانتهت في شهر يونيو (حزيران) المنصرم بالقرب من مدينة سرت. والواقع يؤكد أن القوات التركية وقوات حكومة الوفاق في طرابلس لا يحققون أي تقدم يذكر منذ شهر تقريبًا.
توقف تقدم هذه القوات ومن بعده شن هذا الهجوم المباغت على الوطية، قد يكون له دلالات ورسالة قوية لتركيا وحكومة طرابلس، الأمر الذي قد يشير إلى أن طاولة الحرب في ليبيا قد تنقلب على عكس مصالح تركيا.
أما العنصر الثالث: أن ليبيا هي اختبار مهم جدًا لحدود قوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إذا لم تتمكن تركيا من السيطرة على مدينة سرت وقاعدة الجفرة، وإن تعرضت للمزيد من الهجمات المضادة، فإنه سيكون أمامها خياران بديلان. الخيار الأول هو أن يقوم أردوغان بزيادة تأجيج نيران الحرب أكثر، ويجعل الحرب التي يديرها سرًا أمام روسيا ومصر وفرنسا والإمارات علنية. لكن هذا النوع من الحروب يعني حدوث انهيار كبير للقوات المسلحة التركية وللاقتصاد التركي. والخيار الثاني، أن يقوم أردوغان باتخاذ خطوات للوراء والاكتفاء بإحكام السيطرة على طرابلس فقط. الحقيقة أن طرابلس لا تعني شيئًا بالنسبة لأردوغان؛ لأن غرضه من التواجد في ليبيا هو السيطرة على حقول النفط والغاز الطبيعي الموجودة في ليبيا. فإن عجز أردوغان عن تحقيق هذا الهدف
الأهداف فإن لن يرضى بالبقاء في طرابلس ومساندتها، ولن يكون سهلًا عليه قبول هذا الخيار.
وفي حال تعرض قاعدة الوطية أو القوات التركية المتواجدة في أي نقاط أخرى أو أي قواعد للعمليات لهجمات جديدة، فهذا قد يعني بداية العد العكسي لأردوغان. وعندئذ سيحاول التمسك بطاولة السلام والمفاوضات التي رفضها من قبل.
الواقع أن أردوغان في أشد الحاجة إلى قصص وأساطير نجاح جديدة. الشيء الوحيد الذي قد ينقذ أردوغان هو هجمات خارجية تستهدف تركيا أو نجاحات يحققها في ليبيا والمنطقة حيث إنه يواجه ظروفًا صعبة للغاية من الناحية السياسية والاقتصادية في الداخل.
اعتاد أردوغان تشتيت الرأي العام التركي بأمور أخرى. على سبيل المثال، في الآونة الأخيرة حاول تشتيت الرأي العام من خلال الجدل المثار حول تحويل متحف آيا صوفيا إلى جامعٍ وفتحه للعبادة، إلا أن المعارضة لم تنزلق إلى الفخ هذه المرة، وقالوا له: “إذا كنت تريد تحويله إلى جامع، افعل ما شئت، فأنت تملك كل القوة في يديك لفعل ذلك”.
وعندما فشل أردوغان في إيجاد وسيلة للهجوم على المعارضة، بدأ استغلال الانتقادات الموجهة ضده من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى من أجل استعطاف الشعب. إلا أن ذلك لن يكون له مردود يذكر لصالح أردوغان. وفي حال زيادة التوتر القائم مع فرنسا في الفترة المقبلة، سيكون الاحتمال الأكبر أن يشغل الرأي العام بخلافه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.